الأربعاء، 30 سبتمبر 2009

اقترب اكثر


و كما العادة في تلك القرية الصغيرة الهادئة التى تقبع في بقعة من بقاع الارض..يخرج الصبية الصغار ..يجتمعون واحدا تلو الاخر ..و من ثم يتجهون سويا لجمع بقية الاصدقاء ..يقفون خارج " الدار" و يطلقون اصواتهم جميعا منادين..و قبل ان يخرج صبينا..توصيه امه .."ما تتأخرش"..و لانها تعرف عن ابنها العناد..تجمع الصبية و تذكرهم بما سيجعلهم يخضعون لاوامرها :."ما تتأخروش علشان" الجنية ام دهب" اللى بتاكل العيال ".

حينها كان هذا هو المعتقد ..ففي مكان كالمكان الذي يلعبون فيه_ و هو ارض واسعة مترامية في طرف "البلد" من ورائها اراضي زراعية واسعة لا يتم التردد عليها كثيرا_ ما ان يدخل الليل ما ان تصبح هذه الفسحة من الارض مكانا موحشا لا يُفضل البقاء فيه..و لان انطلاق الصبية الصغار يتزامن مع وقت آذان المغرب إذن فلن يتاح لهم كثيرا من الوقت حتى يحل الظلام تماما و تظهر " الجنية ام ذهب" كما عرفت حينها..و ما يساعدها على الظهور ان حركة سكان القرية تقل ..حينها تستطيع الانفراد باحد الصبية .

انطلق الصبية..تمتعوا بالالعاب ..التى كانت على بدائيتها ممتعة و مرضية بالنسبة لهم ..سريعا دخل الليل ..و بدأت الحركة تقل حتى انعدمت تماما ..بدأ يهب نسيم مائل للبرودة ليتخلله بين الفينة و الاخرى ريح قوية ..حينها بدأت الجنية تقترب..توقف الصبية عن اللعب

صوت كصوت ارتطام قطع من الذهب يتصاعد ..حاولوا الاصغاء..وقفوا هناك متصلبين ..حاولوا مداراة خوفهم .. يخشى اى منهم ان يكون البادئ في اظهار هلعه ..و اذا بصبي اشتهر بافتقاره للشجاعة يستسلم مبكرا و بصوت مرتجف يقول:

" يلا بينا نروح بقى .. يلا الجنية جاية "

و لما ما وجد استجابة كما يريد علا صوته بالصراخ"اجرى يلا انت و هو .. هتاكولنا" جاءت كلماته مصاحبة لهبوب ريح عنيفة فاذا بصوت الذهب يتعالى بشده فيهرب الاولاد واحدا تلو الاخر ..الا صبينا ..لم يتزحزح..وقف هناك ..منتظرا ..لا يعلم لما انتظاره ..اهو شغفه ليرى تلك الجنية التى يُحكى عنها ..ام رغبة منه في اظهار اقصى درجات الشجاعة كما ينشد..ام ليثبت ان والدته ليست على حق فيما قالته.

انتظر هناك مواجهاً الاراضي الزراعية..مضت دقيقة ..دقيقتان .. كان يرتعش في داخله خوفا و لكنه وقف مثبتاً قدماه بشدة في الارض كأنما يخشى ان تخوناه و تضطراه الى الهروب.

و اذا بالصوت يعلو احيانا كأنها تقترب ..و يقل مرة اخرى كانما تبتعد ..و تمر الثوانى ..و يحسبها كانها سنون ..في انتظار و توقع..مر في خياله حينها صور شتى لما يكون عليه شكل هذه الجنية ..لعله يأهب نفسه للتصدى للمفاجأة التى ستخرج بين لحظة و اخرى من الزرع امامه..رغم انتظاره لم تظهر ..مهما انتظر ..لم تأتى.. ولكن الصوت لا يزال موجودا..فكر لبرهة..و بدأ يقترب ..كانما ارتأى ان كانت هى لن تقترب..فليذهب هو و ليكتشف بنفسه..تقدم يتلمس خطواته في هذا الظلام الحالك..ثم ثوقف بعد لحظات فاذا به تحت شجرة عملاقة الحجم ..متشعبة وعجوز تسمى هناك" شجرة اللبخ"..ثمارها كثيرة متدلية ..جافة تماما..تشبه في شكلها "قرون الفول" و لكنها اعرض و اطول و هى دوما جافة جدا لها لون الخشب مجوفة و بداخلها حبيبات.. ما ان تهتز هذه الثمار بفعل الريح تصطدم ببعضها محدثةً صوتا يشبه صوت ارتطام قطع الذهب..وقف صبينا مشدوها لفترة....فاتحا فمه بشكل غريب..و رأسه المعلقة للاعلى تحدق في الشجرة من فوقه ..احتاج وقتا ليستوعب آلية حدوث هذا الصوت ..وفجأة انطلق بالضحك ..ضحكا هستيريا..يجمع ما بين دهشته مما اكتشفه و خوفه ذاك الذي كاد يودى بحياته ..و اخذ يقفز فرحا بحق لاكتشافه.

يومها ما كان ليكتشف حقيقة الجنية التى يخشاها الجميع ..ما كان ليثبت انه صواب في ظنه ..و ان امه و الجميع مخطئين فيما اعتقدوه منذ زمن..ما كان ليفهم شيئا ان هو فرّ متجنبا المحاولة كما فعل اصدقاؤه ..كل ما احتاجه يومها ..ليس شجاعة ..و لكن القدرة على الاقتراب ليرى الامور على حقيقتها ..فذلك هو ما نحتاجه احيانا ..ان نقترب اكثر لتتوضح الامور امامنا.

الأربعاء، 2 سبتمبر 2009

عقلانية اكرهها


هذا هو ما اكرهه عندما اضطر الى ان افكر بعقلانية ..ان اصبر و ان احافظ على رشدى لاصبح عقلانية ..عندما يدفع بي التفكير الى الجنون من كثرة الضغط الذي اتعرض اليه في حين احاول الوصول الى الصواب ..و حيرتى لانجح في بلوغ اصوب الصواب .. لكى لا اعود فاندم .. لكى لا اخطأ التصرف .. اكره هذا ..بحق اكرهه .. اريد ان استسلم و اتعامل بطبيعتى .
فطبيعتى اننى حين اعبر عن غضبي عن رفضي .. ترى صوتى يرتفع بالصراخ معترضا..و تنتابتنى حالة من قول" لأ لأ " يصاحبها قفز متتالى من على الارض و تهتز رأسي يمينا و شمالا معبرة بابسط الطرق عن عدم موافقتى ..و يعجزنى في اثناء هذا اننى لا املك دليلا ماديا على سبب رفضي سوى رغبتى الشديدة في سير الامور بهذا الشكل ..و حينما لا يستجيبون و يخضعون لى ابكى كأى طفل يعبر عن ما اصابه من هم و غم ..كأى طفل يحاول الدفاع عن شيء ما و يستخدم ما يملك من اسلحة .
هذا ما كنت اتبعه قديما هكذا كنت اخضع ابي و امى لرغباتى حينما اعجز عن اقناعهم ..لم تكن سياسة يومها ..بل هى جل ما املك هذا هو الاسلوب الذي لطالما استعنت به حين لم يكن في يدى سواه حيلة و ها انا الان فتاة كبيرة عاقلة ..و هذا ما اكرهه ..اريد الاستسلام ..ها انا اجرب ما يعنيه ان تقضي طوال الليل مفكرا في حل عقلانى لما تشكو منه يؤلمنى عقلى اصاب بصداع شديد احاول السيطرة على فكرى ليتوقف ليتيح لى شيئا من الليل لانامه و لكنه يأبى على هذه الفتاة الكبيرة العاقلة الراحة.
ارجوك دعنى لطفولتى ساعبر عن غضبي ..اعدك.. سأعبر عن رفضي ..بحق سأفعل.. و لكن بطريقتى دعنى استسلم لطفولتى التى اعرفها .. دعنى و لا ترهقنى ..و رغم رغبتى الشديدة هذه اعلم انك لن تفعل فقد مضي هذا الزمن ..مضى و مضت ايامه بما تحمله من بساطة ..رغم رغبتى في الاستسلام لن انجح باللجوء اليه بل لن تتيح لى الحياة المضي فيها باسلحتى الضعيفة هذه .

الاثنين، 27 يوليو 2009

جدال لا ينتهى



عصرنا غير عصرهم ..اهتماماتنا تختلف عن اهتماماتهم ..ما بات هاما في حياتنا لا يندرج حتى في قناعاتهم ..نهتم بتلك الدورات و التدريبات التنموية.. نعلل اهتمامنا و شغفنا بأن هذا ما بات يفرق بين شخص و اخر في التعيين ..في العمل ..و لكنهم يرون"و لن اجاور الحق فاعمم و لكن معظم الاباء يرون " ان المهم هو الدراسة و الدراسة و فقط هي ما ستحقق النجاح هى ما ستكتب مستقبلنا اما باقى اهتماماتنا تلك فما هى سوى "تنطيط" على حد تعبير البعض" و لهم جل الاحترام طبعا" ..نرى العكس لان ما يحدث في واقعنا حقيقة هو العكس ..نحاول ان ندخل في حياتنا انشطة و مشاركات اجتماعية تخلق من شخصياتنا افراد مبدعين لاننا بتنا نحيا في عصر لا يسمح لأي كان الولوج فيه ببساطة..لابد لك من تأشيرة دخول .. و في هذه الحالة هي كونك متميزا منفردا بشيء ما عن الآخرين الذين قد يماثلوك في مهارات الدراسة ..نحاول إقناعهم و يحاولون إخضاعنا لآرائهم ..من هنا ينشأ الصراع ..صراع نكسبه أحيانا بتنفيذ رغباتنا دون رضائهم و يفوزون به أحيانا حين يسلموننا لليأس بعد جدال طويل ..محتفظا كلا الطرفين باستقلاله على بره..في بادئ الأمر كنا نناقش و لدينا تلك الروح الطويلة و حماس الغّر في محاولة يائسة لإثبات وجهة نظرنا ..و لكن تلك الروح تقل لأنهم لا يتزحزحون عن ظنهم ..يُستهلك صبرنا مرة تلو الأخرى ..فنصل للنهاية_ تلك عندما نحاول إرضائهم بالتخلي عن كل تلك الأشياء _و نتحمل نحن خسارتنا .. المشكلة أن حتى هذا الاستسلام لا يرضينا لأننا بحق سنخسر سنفقد خبرات و فرص ستفيدنا يقينا في المستقبل ..لكننا كسبنا رضاهم..و لكن هذا لن يكفينا دوما .. هل هذا هو الحل..اهذا هو الطريق الوحيد لنيل رضاهم ..أيتمثل الصواب في تركنا القرار لهم في مثل تلك الامور..ام تنفيذنا لما نعلم و نترك الله ليتعامل مع ما فعلنا من اغضابهم ؟؟


السمراء

كم كانت فتاة جميلة .. لن اكذب فاتغزل في وسامتها .. لكنها حقا كانت جميلة ..جمال من نوع مختلف ..كانت سمراء لها ملامح صغيرة و مريحة..وجهها برئ هادئ يتخلله عينان واسعتان انسانيهما بلون بنى فاتح ..لم تمتلك من الجمال مثل ما امتلك اخيها من بياض البشرة و تلون العينين بلون ازرقاق البحر..لكنها جاوزته في شئ اخر ..تفوقت في السحر..سحر خجلها ذلك الذي وصل لدرجة تحاول فيها اخفاء ابتسامتها التي لم تتجاوز_ و لا لمرة واحدة_ لتصل لحد يظهر معها بياض اسنانها الصغيرة ، جلست هناك أمامي _في حين جلست والدتها بجانبي _ شابكة يديها الصغيرتين واضعة إياهما فوق رجليها تارة..فيبلغ بها الخجل تارة أخرى فتدسهما بين ركبتيها..و اذا بها تنتهز الفرصة من حين لآخر لتختلس النظر..و ما أن انظر إليها تشيح بناظرها عنى..لكنها كانت تنتظر منى شيئا يطمئنها انه مسموح لها بالتبسم في وجهي..حينها لمحت على يد والدتها تلك العلامة لتدلل على أنها من ديانة أخرى ..في البداية تمنيت لو كان هذا الوجه الجميل ملك لنا..و من ثم ايقنت..ايا كانت..ايا كانت فقد كانت على بساطتها جميلة ..ما هي سوى فتاة سمراء بريئة..تجاوزت تلك الفكرة العابرة في مخيلتي و أعطيتها إشارة للانطلاق..ابتسمت لها ابتسامة عملت على احتوائها لكل مشاعر الألفة..حينها حصلت على ما أريد..رأيت بياض أسنانها ..أظهرته بابتسامة رائعة اكتملت معها صورة جمالها الملائكي ذاك.

الثلاثاء، 14 أبريل 2009

بعداً أخر



استعجب لحالنا أحيانا ..نعلم ما فيه صالحنا ..أين يكمن خيرنا ..و ندرك الوسيلة الفضلى للبلوغ ..و نظل مع ذلك لا نحرك ساكنا.. و في محاولة لإفاقة أنفسنا من تخاذلنا نذكر أنفسنا أننا نضيع مصلحتنا ..أننا نرتكب خطأً فادحاً سنعود لنندم عليه لاحقاً ..مستخدمين وسائل الترغيب أحيانا و التهريب أحياناً أخرى ..رغم المحاولات نبوء بالفشل .. استغرب لهذا ..و لكنني مع ذلك بت أدرك بل أوقن أنهم حين يقولون .." أننا لا نحتاج إلى أسباب تدفعنا لفعل ما فيه صالحنا .. أن مصلحتنا تشكل دافعا كافيا لنسعى لبلوغها" ..أمراً خاطئا للغاية .
فكأننا نمر بفترات لا نعود نمثل حافزاً كافيا لأنفسنا ..فترات لا نعود نشعر أن مصالحنا و ما يصب في خير مستقبلنا يستدعى اهتمامنا .


و فجأة وسط صراعنا الداخلي المحتدم هذا ..يأتينا احدهم ..إنسان نهتم بشأنه ..يطلب منا أن نفعل هذا الشيء مع اختلاف بسيط ..انه يأتينا مضيفا ً لطلبه بعداً آخراً ..سبباً آخراً ..دافعاً أقوى .. ذلك حين يقرن طلبه ب: " من اجل خاطري افعل ذلك ".. يسألنا أن نفعل ما فيه خيرنا من أجله ..حينها و على فجأة تدب روح جديدة في أنفسنا ..يتحول تكاسلنا إلى نشاط منقطع النظير ..ليصبح ما كنا نتجاهله هو هدفنا الأوحد ..و همنا الشاغل .
ذلك هو ما يحدث حقا ..إن التغير المفاجئ الذي طرأ على سلوكنا يرجع إلى تلك الإضافة البسيطة ..إننا الآن نسعى لما فيه صالحنا و لكن ليس من اجل أنفسنا بل لإرضاء غيرنا ..لكي لا نخذل من نهتم لأمرهم ..فكأننا نتحرر أحيانا من سيطرة ألانا ..نتقدم الآن و ما يدفعنا إلى نفس النهاية هو رغبتنا في العطاء و ليس الأخذ.

******************************

اسفه للغاية لاننى تأخرت في كتابة اى شيء جديد و لكن حقا لظروف خارجة تماما عن ارادتى ..و اننى اعتذر منذ الان اننى سأتوقف لفترة عن كتابة اى شيء جديد في الفترة المقبلة حتى تنتهى فترة الامتحانات اتمنى ان اكون قد بنيت علاقة قوية بكم تدفعكم للانتظار و تقبل توقفى لفترة ..اتمنى بحق ان اكون قد امتعتكم و نالت كتاباتى رضائكم .

تمنوا لى التوفيق في الامتحانات لاننى بحق في حاجة له .


الاثنين، 16 مارس 2009

أعود الى هناك


مازلت أعود إلى ارجوحتى تلك ..كم أحبها افتقدها..كم بات ارتباطي بها شديدا..و لكنني ما عدت الجأ إليها آلان سوى لدى كابتي ..و في كل مرة تستقبلني ..ربما يحزنها اننى لا أعود إليها إلا في أوقاتي الصعبة ..و لكنها لا تقسو على ..مع ذلك تكتفي بزيارتي ..هي وحدها تعرف جميع أسراري هناك في جنباتها القي كل أحزانى.
اذهب للحديقة ..اجلس على ارجوحتى ..بصمت شديد شاردة الذهن ..و بعد لحظات أحاول ..أحاول مقاومة ذلك الخدل الذي يسري في أطرافي ..ببطء ارفع قدمي الهزيلتان عن الأرض لأدفعها ..تبدأ ارجوحتى في الاهتزاز ..تتحرك الأرض من تحتي ..لكنني لا ارتفع سوى مسافة صغيرة للغاية تتناسب مع ضعف دفعي ..فارجوحتى ليست تعلو و تتأرجح كصديقاتها ..لان صاحبتها ليست كهؤلاء ..بثقل شديد اهتز للخلف و للامام و مازالت عيناي المرهقتان تتابعان سحابة هناك تجمعت على شكل كتلة قطنية كثيفة ..أتمنى الوصول إليها ..فابتعد عن عالمي هذا ..أتمناها تستطيع تحمل ثقلي لتحملني إلى ارض الأحلام ..ارض لا حزن فيها ..لا الم ..بل كل ما اذوقه هناك هو السلام.
أظل محدقة لتلك السحابة ..متابعة لحركتها البطيئة ..نعم ببطء شديد ..و لكنها تبتعد ..تعلم حالي و حزني قد تشاركني إياه للحظات و لكنها في النهاية ستمضي لطريقها غير عابئة ..فهذه هي سنة الحياة .
و في محاولة يائسة لتناسي همي ..و للتخفيف عن نفسي ..اعدل من وضعي ..افرد ظهري ..و أتنشق هواء الحديقة واضعة فيه أملى أن يبرد عليّ صدري ..لكنه يدخل و لا اشعر به ..أعيد الكرة.. أتنفس بشكل أعمق علّى انجح..و لكن لا ..لست أذوق له ذلك الطعم المميز ..لست أميز اختلاط رائحته بعبق الأزهار لست اشعر بانتعاشة الماء الملقى على الأرض لسقايتها .
تمنع تلك الكآبة الحادة على نفسي كل هذا ..تكون حاجزا سميكا يحول دون هروبي من سيطرتها .. اشعر بإرهاق_ يجتاح كل خلية من جسدي_ يأبى لها التبسم كما كانت تفعل دوما لدى تواجدها في الحديقة بين الخضرة و الأزهار.
افقد الأمل ..أعود فاسند رأسي من جديد على إحدى حدائد الأرجوحة التي تحملني بصبر و جلد ..لم تجف بعد تلك البقعة المبللة على ملابسي اثر تساقط دموعي ..لم تتمكن من فعل ذلك في تلك اللحظات القصيرة التي حاولت فيها إزاحة هذا الهم عن نفسي ..و بعودتي لوضعي أزيد حجم هذه البقعة .
حينها نظرت إلى الدنيا من حولي ..فلم أرها كما الفتها ..أحسست أنها على اتساعها ضيقة للغاية .._ضيق لا يحتمل حزني _.. استغربت لتذكري أنني في وقت عقلاني مضى آمنت باتساعها ..ذلك حين نظرت إليها لأرى أن هناك عوالم أخرى ..حيوات تختلف عن حياتنا لكل منها طابع خاص ..يتراوح بين الحزن و السعادة .. في هذه الدنيا في مكان ما يوجد أناس غيرنا قد يعانون مثلنا أو أكثر ..بينما آلان لست أرى هذا ..لاننى حين نظرت للحياة في حزني وجدت نفسي متوسطة إياها ..ارانى في المحور فيجل شأني و تعظم مصيبتي .
فنظرتنا للأشياء لا تعنى أننا نراها ..لا تعنى أننا نبصرها ..حيث أن إدراكنا لمعنى الحياة و للأشياء من حولنا تتحدد بحالتنا وقت النظر إليها ..إن ظننا أننا الوحيدين المتواجدين في هذه الدنيا .. وأهم ما يحدث فيها هو ما يحدث لنا .. إن حذفنا من عالمنا كل شيء سوانا ..حينها و فقط تصبح أمورنا ذات شأن ..لكننا إن أوجدنا عناصر أخرى بجوارنا سيهون وجودنا .. متى أبصرنا أننا جزء و فقط من عالم متباعدة أطرافه حينها يخف حملنا.

السبت، 28 فبراير 2009

مازلنا نختلف



مررنا بمراحل عمرية عديدة ..في بداية حياتنا أعظم ما أنجزناه هو إتقاننا للتقليد ..نقلد شخصيات نحبها ..نتخذها مثل أعلى ..نتخطى هذه المرحلة لنصل إلى أخرى أكثر نضجا..ننفتح على عالم واسع ..تتصارع فيه الأفكار و الرؤى ..نحاول التعلم ..نلتقط الآراء من هنا و هناك .. نأخذ منها ما يتفق لنا ..و من ثم نتطور لنشكل آراءنا الخاصة ..نكون لأنفسنا شخصية متكاملة لها حدودها الواضحة ..مزيج يضم كل ما تعلمناه و اختبرناه يوما ..هنا نتوقف ..لم يعد يشغل بالنا شيء ..لأننا نظن أن هذه الآراء التي توصلنا لها بعد تنقيح لابد أن تكون ثابتة .
هكذا ظننت إلى فترة قريبة للغاية ..فقضيت فترة من الهدوء أو الخمول الفكري ..ما عادت المواضيع تثيرني حيث أنني ظننت أن خلاصة ما تعلمت هي ثوابت.
و من هنا بلغت دهشتي حدها ..عندما اختلفت مع احدهم عن معنى ..الاهتمام ..الصداقة _معاني بسيطة و ثابتة لا تقبل النقاش_أو هكذا اعتقدت .

و لكنها قبلت النقاش ..حينها بدأت استرجع كل ما جمعت من اعتقادات في السابق ..بأسلوب سلس منظم بدأت اطرح آرائي ..كذلك يفعل الطرف الآخر ..بات كلانا يفتش عن سابق عهده و اقتناعه بما يقول .
و الغريب ..رغم اختلافنا ..تمتع كلانا بأسباب منطقية ..و وجهات مغايرة مقنعة و قوية للغاية ..حينها أعجبني اختلافنا رغم كونه اختلاف.

نشط عقلي من جديد ..بدأت اقلب صفحاتي القديمة ..تذكرت ما نسيته لفترة من الزمن ..انه رغم اعتقادنا بثبات الأشياء إلا أننا مازلنا نختلف حول ماهيتها ..حدودها..تفاصيلها ..قد أرى لها وجه واحد لان لدى نظرة واحدة ..غيري لديه نظرة أخرى بناها على خبرات و اعتقادات تختلف عن خبراتي ..حين نتناقش فيها نظهر جوانب من شخصياتنا .

توصلت أخيرا ..انه لا يوجد ما يسمى ثوابت ..دوما ستظل الأشياء متغيرة ..دوما سنسمع الجديد ..فنعود للبحث محاولين الوصول إلى صورة واضحة لما يحيرنا ..نرجع إلى أوراقنا القديمة نحذف منها ..و نضيف إليها .._تلك التي لن يجف حبرها مطلقا _عسانا نصل لتعريف مثالي أو حتى الاقتراب منه.

و لكننا سنظل نختلف ..و حين نختلف نتميز.. فلولا اختلافنا هذا لما ظهر جديد ..إن تمتع الجميع بنفس الوجهة من النظر ..لما ابتكر شيئا.

الخميس، 19 فبراير 2009

بلا نهاية



امشي متخبطة الخطى ..بلا هدفٍ هائمةً على وجهي ..في شارعٍ مزدحمٍ بالمارة ..تعلو الأصوات و تنخفض من حولي ..تزداد الحركة و تنتشر..و لا يثير انتباهي أي من هذا ..لا شيء سوى صدى ضربات قدمي تلك الثقيلة على الأرض من تحتي ..عُزِلت عن العالم من حولي كأنني محتجزةٌ داخل قوقعةٍ صماء .. اقلب عيناى هنا و هناك في جميع الاتجاهات دون أن يقع بصري على شيءٍ مألوفٍ ..أحاول التركيز لأجيب عن ذلك السؤال الذي يلح على عقلي .. من أين أتيت؟! .. إلى أين أذهب؟! .. لا أعلم ..يملؤني شعور حادٌ بالغربة.. بالفقدان ..جلًّ ما بت أدركه أنني ومنذ زمن لا أعلم منذ متى بالتحديد أطلقت للريح ساقي .
توقفت على الرصيف للحظات ..ثم نزلت لعبور الطريق..لم أعير السيارات المارة انتباهي فقد شُغِلت عيناي عنها في تتبع خطواتي المقبلة علها تكتشف إلى أين المقصد.
وفجأة و في منتصف الطريق وصل إلى مسامعي صوتٌ مريرٌ .. مبحوح .. يعلو و يتأرجح نجح في اختراق قوقعتي ليطن في اذنيّ .. فإذا به ينتشلني من غيبوبتي ..ابحث بعينين محمومتين عن مصدره ..انه لطفلٍ صغيرٍ وقف هناك .. أمامي مباشرةً على الرصيف المقابل.. طفلٌ انتابته ثورةٌ عارمةٌ من البكاء مطالباً بأمه ..باحثاُ عنها وسط الزحام .. شردت معه للحظات .. أتاني صوتٌ صاخبٌ من تلك السيارة التي باتت ملتصقةً بجانبي و قد أطل منها وجهٌ غاضبٌ لرأسٍ أشيبٍ ألقى علىًّ بضعة كلماتٍ ناهرة..و لكنني ما فعلت سوى أن تجاوزت الشارع وصولاً إلى الرصيف حيث يقبع الطفل الباكي ..اقتربت منه مررت بجواره.. وقد استحوذني شعورٌ غريبٌ ..لم استطع تبينه إلا بعد أن تجاوزته ..خلفته ورائي و قلبي ملؤه حسدا.. فعلى الأقل هذا الطفل ذو السبع سنوات _على أكثر تقدير_ يعلم ما يبحث عنه ..ألقيت عليه نظرةً أخيرةً بعينين تغرقها الدموع .. و من جديد أعدت مقاليد الحكم لساقيًّ تأخذانني حيث تشاءان علهما تهتديان لنهاية هذا المشوار الذي لا افقه كيف و متى ابتدأ.